عنوان الكتاب في الأصل المخطوط هو: "أخلاق الصاحب وابن العميد" وهو الذى يقدّر أن أبا حيان وضعه عنواناً لكتابه هذا، لذا آثر المحقق الإبقاء عليه، وعدل عن تسميته بمثل "مثالب الوزيرين" كما سماه به غير أبي حيان بعد وفاته بنحو مائتي عام، لأن في كلام أبي حيان، ما يؤيد هذه التسمية. ففي حديث له مع الوزير ابن سعدان (المقتول سنة 375هـ) يقول: "... على أني عملت رسالة في أخلاقه (يعني الصاحب) وأخلاق ابن العميد" وكلمة "أخلاق" التي اختارها أبو حيان هي التي تتسع للخطة التي رسم حدودها في مقدمة كتابه هذا، فلم يقتصر في أحاديثه عن الوزيرين، وهذه عبارته: "على ما كان طالباً لمقتهما، وداعياً إلى الزراية عليهما، وباعثاً إلى سوء القول والاعتقاد فيهما" بل أضاف إلى هذه الأحاديث، وهذا قوله أيضاً: "ما شاع من فضائل لم يثلثهما فيها أحد في زمانهما ولا كثير ممن تقدمهما". ومن هنا جاء حديثه عن الكرم واللؤم في أخلاقهما، والنقص والزيادة، والورع والانسلاخ، والرزانة والسخف، والكيس والبله، والشجاعة والجبن، والوفاء والغدر، والسياسة والإهمال، والاستعفاف والنطف، والدهاء والغفلة، والبيان والعي، والرشاد والغيّ، والخطأ والصواب، والحلم والسفه، والخلاعة والتماسك، والحياء والرحمة والقسوة. وسواء وفّى أبو حيان بخطته هذه أو لم يفعل، فإنه يريد، في إصدار، أن يظهر بمظهر الوفي لها، وأن عمله في هذا الكتاب سار هذا النهج. وأبو حيان أديب واسع الثقافة، أكسبته صلته بالناس على اختلاف طبقاتهم، ومشاركته لهم في حياتهم يخبرها وينفذ إلى أعماقها، تجربة واسعة، ناقد مرّ لا تكاد عينه تخطئ مواطن النقص، ذو حسّ مرهف ينفعل لأخف المؤثرات، ويسجل أسرع الحركات وأخفاها، مع قدرة لغوية فائقة تسعفه على نقل أحاسيسه نحو الناس، مهما دقت، في غاية الوضوح والصفاء. وبهذه المواهب جميعاً حضر مجلس الصاحب، فرأى وسمع ولفى منه ما ملأ عليه حواسه، فسجل وقعه الأليم على نفسه في كتابه هذا، وأخرجه صوراً معبّرة رائعة ناطقة، أبان فيها أبو حيان عن أصالة فنية خالدة. أما أبو الفضل ابن العميد، فإن أبا حيان، حسبما حكى عن نفسه، لم يحضر مجلسه إلا مرتين، فشاهد في إحداهما أعوان أبي الفضل يخرجون من مجلسه، بمشهد منه، رجلاً غريباً صائماً، في عشية من عشايا رمضان وقت الإفطار. وشاهد في ثانتيهما محنة شاعر من الكوخ مدح ابن العميد أبا الفضل فلم يجزه بشيء رغم الحاجة ومطالبته له أمام الحضور. ومع ذلك فقد تركت هاتان الحادثتان في نفسه آثاراً بلغ من بعد غورها أن رآه أهلاً لأن يقرن في أخلاقه بالصاحب، وجعل يتتبع أخباره ويستقصي نقائصه، نقلاً عن جلاسه وخواصه، إلى أن اجتمع له ما نقرؤه في كتاب الأخلاق عن أبي الفضل. ورأى أبو حيان، وقد اتصل بأبي الفتح ابن العميد وجالسه وأعجب به، أن يذكره في كتابه، بعد أن خاض في حديث أبيه أبي الفضل، فأثنى عليه وأفاض، ثم عاد فنقده، واتخذ من قصته مقتله وسيلة لأن يعيد الكرة على الصاحب وينال منه بعد أن كان فرغ منه. التوحيدي
40.97